سياسة

التيار الصدري في العراق من النشأة إلى صدارة الانتخابات | أخبار سياسة

أظهرت النتائج الأولية، للانتخابات التشريعية المبكرة في العراق، تنامي قوة التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وقدرته على كسب الشارع حيث حصد أكبر عدد من المقاعد بفارق كبير عن أقرب منافسيه.

وبحسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، فإن النتائج الأولية أظهرت حصول التيار الصدري على 73 مقعدا، يليه تحالف “تقدم الوطني” برئاسة محمد الحلبوسي (38 مقعدا) فكتلة “دولة القانون” برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (37 مقعدا) ثم الحزب “الديمقراطي” الكردستاني (32 مقعدا) يليه تحالف “الفتح” برئاسة هادي العامري (14 مقعدا).

أنصار الصدر يحتفلون وسط بغداد بعد إعلان النتائج الأولية للانتخابات (الأناضول)

تصدر المشهد

وعن أسباب فوز الكتلة الصدرية، يرى مراقبون بأنه يعود إلى تعهد الصدر بإنهاء المليشيات، وحصر السلاح بيد الدولة، وكذلك برنامجه الإصلاحي الذي تضمن محاربة الفساد ومنع الأحزاب من السيطرة على مقدرات العراق، كلها دفعت بالكثيرين إلى اختيار التيار ومعاقبة منافسيه، خاصة بعد الأحداث التي شهدتها احتجاجات البلاد التي انطلقت في أكتوبر/تشرين الأول 2019.

ويؤكد الدكتور رياض المسعودي النائب عن تحالف “سائرون” -التابع للصدريين- أن الخط البياني للتمثيل السياسي للتيار الصدري متصاعد بشكل واضح، وهناك قاعدة شعبية عريضة ومهمة وقوية وأماكن انتخابية محترفة.

المسعودي أكد أن الخط البياني للتمثيل السياسي للتيار الصدري متصاعد بشكل واضح (الجزيرة نت)

ويبيّن المسعودي للجزيرة نت بأن مشاركة الصدريين في العملية السياسية متواصلة، وأنهم يمتلكون رؤية سياسية واضحة سواء في الداخل أو الخارج، وقرارهم نابع من مصلحة الشعب العراقي.

ويضيف “نخطط ونبرمج في ضوء رؤيتنا للشعب العراقي ولمستقبل العراق ولأهمية العراق سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا، وبالتالي كلما زادت عدد مقاعد التيار الصدري تحت قبة مجلس النواب العراقي سيكون تأثيرنا في صناعة القرار واضح”.

كما يكشف النائب عن توجههم نحو تشكيل حكومة قوية بالشراكة مع القوى الوطنية وفق 4 مستويات، الأول القوى السياسية الشيعية، والثاني القوى السياسية الوطنية على مستوى العراق، ثم التحرك في حوارات حقيقية مع دول الجوار ومع المحيط الدولي، لتكون حكومة متواصلة وليس حكومة مخنوقة ومحاصرة.

ويؤكد المسعودي عمل التيار الصدري على تقديم الخدمات والمضي في الإصلاحات، وإعادة العراق إلى دوره المحوري في المنطقة.

أبو رغيف يرى أن الصدريين لا يتحملون ضغوط الكتل السياسية الأخرى وقد يعودون مجددا لخندق المعارضة (الجزيرة نت)

الكتلة الأكبر

بدوره يقول الباحث في الشؤون السياسية فاضل أبو رغيف إن اعتبار التيار الصدري الكتلة الأكبر في البرلمان يستلزم توفر الكتل المتماهية مع رؤية ونظرية التيار الصدري، وهذه الكتل قطعا ستكون براغماتية في تعاطيها مع التحالف.

وفي حديثه للجزيرة نت، ينوه أبو رغيف إلى أن الصدر طلب من قيادات كتلته التفاوض وأعطاهم الحرية تامة في التحالف مع أي جهة باستثناء من عليهم مؤشرات وملاحظات، في إشارة إلى نوري المالكي.

وينوه الخبير السياسي إلى أن “دولة القانون و”الفتح” والكتل الأخرى الموالية لهما إذا اتحدوا قد يجمعون 85 مقعدا، وهذا ما سيؤدي إلى تأني الكتل الباقية، سواء كانت السنية أو الكردية، في القيام بالتحالف مع أي كتلة شيعية كبيرة، وستنظر إلى من سيعطيها أكثر من هذه الكتل لتتحالف معه.

ويتوقع أبو رغيف بأن حكومة الصدر إذا تشكلت ستكون خدمية بامتياز، وقد يشهد العراق أول 6 أشهر تحسنا ملحوظا في الجانب الخدمي.

لكنه يعتقد بأن التيار الصدري يمر بمراحل مزاجية عالية، بمعنى أنه لا يتحمل ضغوطات الكتل السياسية، وقد يعود مرة أخرى للوقوف في خندق المعارضة الذي يتقنها جيدا.

المشهداني اعتبر أن الصدر صديق مزعج لطهران وليس حليفا مذعنا (الجزيرة نت)

مركزية القرار

من جانبه، يلفت المحلل السياسي جبار المشهداني إلى قوة التيار الصدري داخل مجلس النواب وتماسكه والتزامه بمركزية القرار، بما يوجههم به زعيمهم الصدر عبر الهيئة السياسية.

ويضيف للجزيرة نت بأن جمهور التيار الصدري يمتلك خبرات في التظاهر والتجمع وتحشيد الماكينة الانتخابية الدعائية، وفي سرعة الانتقال من محافظة إلى أخرى، والطاعة بشكل كبير لما يطلبه قائدهم الصدر.

ويلفت المشهداني بالقول: يمتلك الصدر من ناحية المحيط الإقليمي علاقات جيدة مع دول الجوار، وهو يعلن دائما أنه ضد الاحتلال الأميركي، ولكنه قال إنه ليس لديه مشكلة مع أي سفارة، في إشارة واضحة للسفارتين الأميركية والبريطانية شرط ألا تتدخل بالشأن العراقي.

ويرى أن الصدر يدرك حقيقة التأثير الإيراني في القرار السياسي العراقي، بينما الإيرانيون يعتبرونه صديقا مزعجا لأنه ليس حليفا مذعنا لكل ما يطلبونه منه، لكنه لا يصل إلى مرحلة القطيعة، بحسب المشهداني.

A poster is seen of the late Grand Ayatollah Mohammed Sadiq al-Sadr, and his son Iraqi Shi'ite cleric Moqtada al-Sadr, and Iraq's late Shi'ite cleric Mohammed Baqir al-Sadr, in the Sadr City district of Baghdadمقتدى الصدر يتوسط الراحليْن والده محمد صادق (يسار) وعمه محمد باقر (رويترز)

جذوره التاريخية

ويعزو مراقبون هذا الزخم الذي يتمتع به التيار الصدري إلى الإرث الكبير الذي تزخر به عائلة الصدر في البلاد.

وعن أول ملامح ظهور التيار الصدري، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكوفة الدكتور أسعد كاظم شبيب إن عائلة الصدر أتت إلى العراق من منطقة جبل عامل بلبنان منذ نهاية القرن 19، واستقرت بداية بمدينة الكاظمية في بغداد، ثم انتقل قسم من العائلة إلى مدينة النجف (جنوب بغداد) لأسباب تتعلق بالدراسة الدينية.

ويضيف الدكتور شبيب للجزيرة نت بأن عائلة الصدر كان لها حضور لافت منذ العهد الملكي، وبرزت في الكثير من المواقع على المستوى الديني والسياسي.

5- شبيب: المتطوعون العراقيون قدموا إنجازا عسكريا في معركة شبيب اعتبر أن الصدر استطاع أن يثبت وجوده بالشارع من خلال رمزية أبيه (الجزيرة نت)

ويشير إلى أن المدرسة الصدرية تطورت وانتقلت إلى مرحلة فكرية جديدة في تسعينيات القرن الماضي على يد والد مقتدى (محمد السيد محمد صادق الصدر) الذي استطاع أن يؤسس قاعدة اجتماعية بالعديد من المدن، والتي كان لها امتدادات فيما بعد على كل المستويات الشعبية وتصاعدت بعد اغتياله عام 1999 حيث التفّت الجماهير حول مشروعه السياسي، واستمر صداه ما بعد الغزو الأميركي عام 2003 وصولا إلى المرحلة الحالية.

ويوضح أستاذ العلوم السياسية بأن النشاط الصدري برز في تسعينيات القرن الماضي متمثلا بانحياز علماء المدرسة الصدرية كمحمد باقر الصدر ومن ثم ابن عمه محمد صادق الصدر (والد مقتدى) إلى صفوف الاحتجاجات الشعبية، وهذه النشاطات لامست حاجيات الناس ورغبتهم في تغيير النظام السياسي آنذاك.

ويلفت إلى ارتفاع شعبية التيار الصدري في المناطق الفقيرة خاصة لقربه منهم والسعي لحل مشاكلهم، إضافة الكاريزما الكبيرة التي كان يحظى بها محمد الصدر والتي ساهمت كثيرا في بروز فكره وانتشاره.

جيش المهدي التابع للتيار الصدري واجه الاحتلال الأميركي إلا أنه تورط باقتتال داخلي (غيتي-أرشيف)

الجناح المسلح

وقام الصدر في يونيو/حزيران 2003 بتأسيس فصيل مسلح أطلق عليه اسم “جيش المهدي” لمقاومة الغزو الأميركي للعراق، لكن ذلك الفصيل اتهم بأعمال طائفية بلغت ذروتها عامي 2006 و2007، مما دفع الصدر إلى إعلان حله عام 2008.

عام 2014 أعلن الصدر تأسيس “سرايا السلام” لحماية المراقد والمقدسات الدينية، وذلك إبان سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على أجزاء واسعة من البلاد.

وفي هذا الشأن يقول الباحث السياسي رعد هاشم إن التشكيلات العسكرية رافقت التيار الصدري منذ تأسيسه، ويفاخرون بالجناح العسكري (جيش المهدي) حتى الآن “رغم ارتكابه مجازر طائفية وانتهاكات خطيرة تمس حقوق الإنسان”.

هاشم: بعض تشكيلات “جيش المهدي” استغلت ضعف مقتدى من الناحية الإدارية (الجزيرة نت)

ويضيف هاشم للجزيرة نت بأن بعض تشكيلات “جيش المهدي” استغلت ضعف مقتدى من الناحية الإدارية حتى انفلتت الأمور من بين يديه، ويرى البعض أنه “كان راضيا عن هذا الأمر”.

ويشير إلى أن الكثير من المجاميع المسلحة اليوم تناسلت من “جيش المهدي” وإن الخلاف فيما بينهم لا يعدو أن يكون على المغانم والمكاسب والأمور المتعلقة بالمصالح، وهذه الفصائل المسلحة تشكلت لحماية أنفسهم من بعضهم، على حد قوله.

وأوضح أن القانون العراقي لا يسمح للأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة المشاركة بالانتخابات لكن الضعف الحاصل بالدولة، والمجاملات وتناغم المصالح فيما بين الأطراف النافذة، دفعهم للتغاضي عن ذلك على حساب أمن الوطن واستقراره والسلم الأهلي.

الصدريون يحيون ذكرى وفاة محمد صادق السنوية كل عام (غيتي إيميجز)

رمزية الصدريين

واستطاع التيار الصدري الانتشار في الكثير من المناطق بناء على رمزية الصدريين، وحاول زعيم التيار (مقتدى) أن يورث هذه الرمزية وأن يواصل مشروع أبيه بتقليده في الكثير من الأفكار والمشاريع، كما يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكوفة.

ويرى شبيب أن (مقتدى) دخل الجو السياسي والاجتماعي في العراق واستطاع أن يثبت وجوده من خلال رمزية أبيه، ومن خلال انطلاقه بمشاريع وأفكار وأيديولوجيات ومواقف معينة، أبرزها موقفه من الاحتلال الأميركي ومن مجلس الحكم الذي أسسه الأميركيون، وكذلك موقفه من تشكيل العملية السياسية.

ويشير إلى أن الصدر بدأ يتعامل مع الواقع في ظل وجود أحزاب منافسة وقوية تتوجس خيفة من وجود تيار الصدر بشعبيته ورمزيته، وتعاطيه مع الواقع الاجتماعي والمحلي والدوافع الإقليمية وارتباطات ذلك بالهوية العراقية وتأسيس نظامها السياسي.

Related Articles

Back to top button